
◄ 60 % من المنتوجات الزراعية التونسية تستوردها ليبيا
عادت الحركة التجارية مع ليبيا الى سالف نشاطها، وذلك عقب قرار الحكومة نهاية الاسبوع الماضي، بإعادة فتح المعابر الحدودية بعد 8 أشهر من غلقها وتعثّر عمليات التصدير بين البلدين والتي كلفت تونس خسائر على مستوى المبادلات التجارية وصلت 75 بالمائة وفق آخر تقرير للبنك الدولي حول انعكاسات الازمة الليبية على تونس.
والسبت الماضي أشرف رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي، على إعادة فتح معبر رأس جدير الحدودي أمام حركة السلع والأشخاص من الجانبين عقب اتفاق ثنائي مع السلطات الليبية يقضى باحترام البرتوكول الصحي.
وتخطط الحكومة اليوم لإعادة ضخ دماء جديدة في العلاقات التجارية مع طرابلس واستعادة السلع المحلية لموقعها في السوق الليبية بعد تضررها من تعثّر الحركة على المعابر ومنافسة السلع التركية لها.
وساهم تفاقم الأزمة الليبية في إعاقة نمو الاقتصاد التونسي بشكل ملحوظ خلال السنوات الست الأخيرة، وأدى الإغلاق المتواصل للممرات الحدودية بين البلدين إلى تعطل المبادلات التجارية النظامية وارتفاع نسق التجارة الموازية.
وخلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، بلغت الصادرات التونسية نحو السوق الليبية 611 مليون دينار تونسي مقابل واردات تقدَّر بـ111 مليون دينار، وبلغت الصادرات 755 مليون دينار خلال الفترة ذاتها من عام 2019، بحسب بيانات معهد الإحصاء الوطني.
وتمثل ليبيا أهم سوق تصديرية لمنتجات الزراعة التونسية، حيث تستأثر هذه السوق بنحو 60 بالمائة من منتجات الفواكه الفصلية، ويؤكد أغلب خبراء الاقتصاد إن التجارة الثنائية بين البلدين أمر مفروض وذلك لدفع الانتعاشة الاقتصادية بولايات الجنوب التونسي التي تعاني ارتفاعا في البطالة، كما ان تونس لا تستطيع تحمّل إغلاق حدودها مع ليبيا لأن ذلك يقوّض اقتصادها، ويؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.
ولا يعد فتح الحدود بين تونس وليبيا موردا لكسب تجار الجنوب فقط، إذ ان عديد القطاعات ستستفيد من تدفق الليبيين ولاسيما القطاع الصحي الذي فقد نحو 80 بالمائة نتيجة غلق الحدود مع ليبيا، كما ان فتح الحركة الجوية سيساهم في عودة الاستثمارات الليبية في تونس الى أضعاف ما شهدته خلال سنوات الماضية، ويعلق العديد من الخبراء الاقتصاديين الامال على عودة نسق الاستثمارات بين الجانبين خلال سنة 2021، ما يساهم في تفادي كلا البلدين لأزمات اقتصادية نتيجة جائحة كوفيد-19.
تونس تخسر نحو 800 مليون دولار سنويًا
وعمقت الأزمة الليبية جراح الاقتصاد التونسي الذي يمر بصعوبات كبيرة جراء الاضطرابات الاجتماعية وتراجع السياحة والاستثمار، وكشف تقرير حديث للبنك الدولي، أن تونس تخسر نحو 800 مليون دولار سنويًا، كتأثير مباشر للأزمة الليبية بين استثمارات وصادرات.
وشملت هذه الخسائر، وفقًا لدراسة أعدها البنك الدولي عن «تونس - ليبيا»، رقم معاملات المؤسسات التونسية المستثمرة بليبيا والمصدرة والمؤسسات غير المرتبطة اقتصاديًا بصفة مباشرة مع ليبيا بسبب غياب مناخ الاستثمار على المستوى الإقليمي.
الأزمة الليبية أعاقت نمو اقتصاد تونس
وسبق للبنك المركزي التونسي، أن أصدر تقريرًا أكد فيه أيضًا أن تفاقم الأزمة الليبية أعاق نمو الاقتصاد التونسي بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، وشهدت المبادلات التجارية الثنائية بين تونس وليبيا، تراجعًا بأكثر من 75 %، نتيجة التوقف الكامل لأنشطة أكثر من 100 مؤسسة تونسية كانت تعمل بصفة كلية مع السوق الليبية، كما قامت أكثر من 1000 شركة بإعادة برامجها التصديرية والإنتاجية، التي كانت موجهة في العادة نحو طرابلس بسبب الأوضاع الأمنية، حسب تقرير صادر عن وزارة التجارة التونسية.
وقبل ثورة جانفي 2011، كانت ليبيا تعد أول شريك اقتصادي عربي وإفريقي لتونس بتبادل تجاري سنوي بينهما وصلت قيمته إلى ملياري دولار، وتشمل الصادرات التونسية إلى ليبيا النسيج ومواد البناء والمنتجات الزراعية والصناعية، وأصيب نشاط عديد من المؤسسات الاقتصادية التونسية بأزمات حادة نتيجة الظروف الأمنية المتدهورة في ليبيا.
ويعود هذا التراجع في حجم التبادلات بين البلدين إلى الإغلاق المستمر للمعابر الحدودية الذي أدى إلى بطء وقلة حركة نقل البضائع، والتهديدات الإرهابية على طول الطريق الرابط بين تونس وطرابلس، والانخفاض الشديد للقدرة الشرائية للمواطنين الليبيين الذين أنهكتهم الأزمة الاقتصادية نتيجة انعدام السيولة وتراجع سعر صرف الدينار الليبي، حسب عديد من الخبراء.
الإغلاق المتكرر للمعابر يفاقم الأزمة
وتسبب الإغلاق المتكرر من الجانبين للمعبرين الحدوديين الرئيسين رأس جدير وذهيبة بين تونس وليبيا، في تفاقم الأزمة الاقتصادية التونسية خاصة في مناطق الجنوب، ويعد المعبر الحدودي «رأس جدير»، البوابة الرئيسية المشتركة بين البلدين نظرًا لدوره الكبير في تنشيط الحركة التجارية.
وادى غلق الممرات الحدودية بين البلدين إلى ارتفاع وتيرة الاقتصاد الموازي والتهريب، وبيّن البنك الدولي أن تهريب البنزين من ليبيا نحو تونس أدى إلى خسارة 500 مليون لتر سنويًا ما يعادل 17% ما تسبب بخسارة للبلدين، على مستوى الميزانية في ليبيا وعلى مستوى المداخيل الجبائية لتونس، وكانت ليبيا تمد تونس بأكثر من 25% من احتياجاتها من الوقود، بأسعار تفضيلية.
وساهم التدهور الأمني في ليبيا في انتعاش تجارة البضائع والسلع وتهريب المحروقات والسجائر والذهب، وتهريب العملة الاجنبية بطريقة غير القانونية، في مدن الجنوب التونسي حيث تتراجع التنمية وترتفع البطالة، كما ساهم غلق الحدود مع ليبيا في ارتفاع نسبة التجارة الموازية الى 35%، حسب دراسات اقتصادية حديثة وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالمعدل العالمي الذي يناهز 15 %.
السوق الإفريقية ملاذ تونس للخروج
من الأزمة
ويطالب خبراء الاقتصاد بضرورة عودة المبادلات التجارية إلى نسقها الطبيعي مع تونس مع حلول سنة 2021 من خلال تبادل الزيارات بين رجال الأعمال الليبيين والتونسيين والعمل على تكثيفها وانعقادها كل 6 أشهر، داعين السلطات التونسية إلى بذل المزيد من الجهود في الفترة القادمة لإيقاف الحرب في ليبيا والمشاركة في إعادة أعمارها .
ويؤكد الخبراء إن التواجد في إفريقيا أمر ضروري، فالتمثيل الديبلوماسي هو مفتاح أي تعاون اقتصادي ومالي بين البلدان، وتونس التي وقعت «اتفاقية الكوميسا» تحتاج تمثيلا ديبلوماسيا كبيرا، خاصة في العواصم الافريقية الكبرى للاستفادة منها.
وتعد «الكوميسا»، التي انضمت إليها تونس مؤخرا، واحدة من أبرز الأسواق المشتركة، التي تغطي 19 بلدا من دول شرق إفريقيا، وتنص الاتفاقية على تحرير المنتجات الفلاحية والصناعية والخدمات بين الدول الأعضاء، ودعم النقل الجوي، بتعزيز الرحلات المباشرة ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي مع هذه الدول، إضافة لدعم الاستثمارات من خلال التواجد البنكي والمصرفي بها.
◗ سفيان المهداوي