خط التماس من جديد بين الاتحاد وحركة النهضة


رافق خط التماس بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحركة النهضة كامل فترة الانتقال الديمقراطي، ويعلم الجميع أن الطرفين يختزلان الصراع الحقيقي القائم في البلاد وقد راوحت العلاقة بينهما بين التوتر الحاد والهدنة غير المعلنة لكن غالبا ما كانت تصريحات بعض القيادات من الجانبين محملة بشحنات من الاتهامات المتبادلة، والتشنج أحيانا.
اليوم، يعود نسبيا هذا التماس بين الاتحاد وحركة النهضة في علاقة بأزمة الخطوط الجوية التونسية وتحديدا مسألة تعيين المديرة العامة ألفة الحامدي مرورا بعلاقتها الصدامية مع النقابات في الشركة ومع الأمانة العامة للمنظمة الشغيلة وصولا إلى ملابسات إقالتها وما خلفته من ردود أفعال.
وبدت أزمة المديرة العامة للخطوط الجوية التونسية فصلا من فصول «الحرب الباردة» بين الاتحاد وحركة النهضة في إطار السعي المستمر لكل طرف لتحجيم دور الآخر وما يرافقها في كل المحطات من اتهامات متبادلة بالسعي للتغول والسيطرة على البلاد والمؤسسات.
في أكثر من محطة سابقة تتهم القيادة النقابية حركة النهضة تلميحا وتصريحا بمناوراتها لغاية الانفراد بالسلطة في البلاد وبسط يدها على مراكز النفوذ وإقدامها على التغلغل في مفاصل الحكم وفرض تعيينات بالولاء ويؤكد الاتحاد أنه سيتصدى لذلك.
معركة بالوكالة
ومع أزمة الخطوط الجوية الراهنة عاد الحديث من جديد حول هذه المسائل في ظل تسريبات وأخبار متداولة تلمح لوقوف حركة النهضة وراء تعيين الحامدي وأخرى تتحدث عن علاقة هذه الأخيرة بابنة راشد الغنوشي والبعض يؤكد أن الحركة اقترحتها سابقا في حكومة الجملي كمرشحة لمنصب الخارجية. وسارعت عديد الأطراف لاتهام الحامدي ومن ورائها حركة النهضة بخوض حرب بالوكالة ضد الاتحاد فقد دون في هذا السياق القيادي في التيار الديمقراطي هشام العجبوني قائلا «..الواضح أنه لم يكن لديها برنامج لإنقاذ تونس الجويّة وأن هدف الجهة التي ضغطت لتعيينها كان خوض معركة بالوكالة مع اتحاد الشغل وربّما تحضيرها لمناصب سياسية في المستقبل».
ويضيف العجبوني في تدوينة نشرها أمس على موقعه على الفايسبوك «لا تنسوا أنهم حاولوا فرضها كوزيرة للخارجية في حكومة الحبيب الجملي النهضوية، رغم أنه لم يكن يعرفها أحد ولم تكن لديها أي خبرة في العلاقات الخارجية. وطبعا، ستقوم الصفحات النهضوية والمؤلفة قلوبهم بالنّفخ في صورتها واعتبارها بطلة والتسويق لكونها كانت ضحية لاتحاد الشغل الذي منعها من القيام بالإصلاحات التي أتت من أجلها.»
اتهامات الطبوبي للنهضة
وبالأمس وفي حوار له على أمواج الإذاعة الوطنية اتهم الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي وزير النقل السابق، الذي قال عنه «صاحب سيارة “سي 5” «في إشارة إلى الوزير السابق والقيادي بحركة النهضة أنور معروف، بالوقوف وراء تعيين الحامدي. كما وصف الطبوبي «جزءا لا يستهان به من قيادات حركة النهضة» على حد تعبيره ، بأنه «ما يصفاش عمرو كامل.. ويكن العداء للاتحاد وله مشكل معه ومع كل ما هو تاريخي».
وأشار بوضوح إلى الحملات الفايسبوكية التي تقودها هذه الأطراف على المنظمة الشغيلة قائلا «يا جبل ما يهزك ريح ولن نسلمكم تونس ولا المؤسسات الوطنية» معتبرا أنهم يتصرفون في البلاد بمنطق الغنيمة وأن الأمر لا يتعلق بالخطوط التونسية فقط بل هناك مساع لتحويل المسالة الى مشروع سياسي في الانتخابات القادمة.
وتعليقا على أزمة التحوير الوزاري حمل الطبوبي ضمنيا حركة النهضة ورئيسها مسؤولية الأزمة معتبرا ان «الأزمة الحقيقية اليوم ليست بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة هشام المشيشي وانها بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي بسبب استقبال الأخير السفراء وتصرفه كرئيس دولة.»
تكتيكات الحركة
في المقابل سعت حركة النهضة إلى المناورة في علاقة بصراعها مع اتحاد الشغل وتشير قراءات وتحاليل سياسية إلى أن الدور الذي لعبه ائتلاف الكرامة المقرب من الحركة ساهم بشكل فاعل في هذا الصراع باللعب على ورقة تحميل الاتحاد جزءا من مسؤولية الفشل في الخيارات وفي منظومة ما بعد 14 جانفي. والتركيز على «تغول النقابات» في بعض القطاعات وتحميلها فاتورة انهيار المؤسسات العمومية وتعطيل الإصلاحات جراء الإضرابات وإرباك عجلة الإنتاج الذي دفعت البلاد ثمنه باهظا وأضر بالتوازنات المالية للدولة.
كما أن خطوات حركة النهضة الأخيرة بإصرارها على تمرير التحوير الوزاري رأى فيه مراقبون محاولة استباقية لسحب البساط من مبادرة الاتحاد التي عرضها على رئيس الجمهورية وساهمت فعليا أزمة التحوير في أرباك الحوار لأن الحركة تنظر بعين الريبة إلى الغايات من وراء الحوار لاسيما غايات الأطراف السياسية القريبة من الاتحاد أو التي تعتبرها متخفية وراءه. رغم أن الحركة تعلن رسميا أنها تدعم الحوار ومبادرة الاتحاد وتعمل على التأكيد على جانبه الاقتصادي والاجتماعي بالأساس.
كما لا تتردد بعض قيادات الحركة تصريحا أو تلميحا في إحراج الاتحاد بورقة الإضرابات والهدنة الاجتماعية مستغلة بوادر»التململ الشعبي» من التداعيات الخطيرة للإضرابات على الوضع الاقتصادي. ولعل في هذا السياق تتنزل تصريحات عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى حركة النهضة يوم الاربعاء الفارط حين أكد على أن «البلاد مطالبة بالدخول فورا في حوار اقتصادي واجتماعي لحل مشاكلها داعيا الاتحاد العام التونسي للشغل إلى رد التحية إلى الحكومة بأحسن منها بإعلانه تعليق الإضرابات لمدة سنتين أو ثلاث مثلما مدت الحكومة يدها له وقدمت تحية بالتوقيع على التزامها بتنفيذ كل الاتفاقات».
◗ منى اليحياوي
إضافة تعليق جديد