مستشفيات عريقة تفقد بريقها والثقة في خدماتها !؟


رغم الجانب المضيء فيما أقرته الحكومة أول أمس من إجراءات لفائدة سلك القضاء سعيا منها لإنهاء إضرابهم القائم منذ بداية الأسبوع الجاري والاستجابة إلى جملة من المطالب المشروعة لتعزيز مكانة السلطة القضائية وتحسين ظروف الإحاطة بالقضاة والعاملين بالمحاكم لا سيما في مواجهة جائحة كورونا التي حصدت أرواح الكثير منهم، إلا أن الإجراء الخاص بدعوة وزير العدل ووزير التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية لإعداد دراسة لإنشاء مستشفى خاص بالقضاة وعائلاتهم وأعوان المحاكم يثير عديد نقاط الاستفهام وقد يفتح الباب على مصراعيه لجدل ومطلبية في صفوف قطاعات أخرى على قاعدة المساواة في الحق في الصحة. ولا يستبعد في ظل الوضعية المزرية التي تعيش على وقعها المستشفيات العمومية جامعية أو جهوية منذ فترة طويلة وزادتها كورونا مشاكل وتعقيدات،أن تهب بقية القطاعات مطالبة بالنسج على منوال القضاة وعملة المحاكم والضغط لتخصيص مستشفيات حكرا عليهم وعلى عائلاتهم.
طالب القضاة منذ بداية تحركاتهم الاحتجاجية وإضرابهم على خلفية وفاة القاضية سنية العريضي بعد رفض إيوائها في احد المصحات بتمتيعهم بالحق في المداواة في المستشفي العسكري ويبدو أن تعذر الاستجابة لطلبهم أفضى إلى مقترح بديل بإحداث مستشفى خاص بالقضاة وعملة المحاكم. وتطرح هذه القضية إلى جانب إثارة حساسية ومطلبية بقية القطاعات جانبا مظلما من الأزمة المتعلقة بوضعية المؤسسات الاستشفائية العمومية وفقدان بريقها والثقة في خدماتها وهي أزمة هيكلية مزمنة لن تحل ببناء مستشفيات قطاعية جديدة بل تنتظر وضوحا في الرؤية وبرنامج إصلاح عميق يقطع مع أسباب وصول مستشفيات عريقة إلى هذه الحالة من النفور من خدماتها.
ميزانية محدودة
تشهد جل المستشفيات العمومية ترديا في الأوضاع وتراجعا في مستوى الخدمة الصحية المقدمة ونقصا في التجهيزات والمعدات الطبية وغياب الحد الأدنى من ظروف العمل والإحاطة بالمرضى. وتعيش المنظومة الصحية العمومية تحت وطأة نقص الانتدابات وتواضع الميزانيات المرصودة للصحة مقابل تزايد الضغوط على منظومة الصحة العمومية مما عمق مأساة القطاع وحول عديد المستشفيات الجامعية المشهودة لها سابقا بتفوق خدماتها على القطاع الخاص بوجود أقسام استشفائية رائدة ورؤساء أقسام أكفاء وطاقات عالية ورهيبة في مجالها واختصاصها، إلى مؤسسات صحية عاجزة عن تقديم أبسط الخدمات الصحية،أحيانا، هجرها أطباؤها وإطاراتها الإدارية وشبه الطبية للقطاع الخاص أو للعمل بالخارج وتشهد نفورا من المرضى تعمق أكثر بسبب جائحة كورونا.
أزمات هيكلية وديون
تعانى المستشفيات أيضا من أزمات هيكلية حيث كشفت سابقا أحلام بالحاج الكاتبة العامة لنقابة الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان الاستشفائيين الجامعيين، «أن ما يقارب 80% من سكان تونس يترددون على المستشفى العمومي، في حين أن الصندوق الوطني للتأمين على المرض CNAM لا يخصص لهذه المستشفيات سوى 20 % من ميزانية الرعاية الصحية، وتستند المبالغ المالية المسترجعة إلى مراسيم لم يتم تنقيحها منذ سنة 1996».
وبينت بالحاج في تصريح لها « أن المستشفى يحصل على نسبة تتراوح بين 8 و10% من الاعتمادات التي يدفعها الكنام نظير الخدمات التي تقدمها للمواطنين الذين ليس لديهم أي تغطية اجتماعية، بينما يحصل على 24% نظير المرضى الذين لديهم بطاقات “تعريفة منخفضة ورعاية مجانيّة، في حين تساهم الأسر المعيشية بنحو 40% في الإنفاق على الصحة».
تثقل كذلك الديون المتراكمة كاهل المؤسسات الاستشفائية على مما ينعكس سلبا على جودة الخدمات المسداة.
وعلى سبيل الذكر تبلغ ديون مستشفى الرابطة ما يقارب 40 مليون دينار وتبلغ ديون مستشفى منجي سليم 22 مليارا من المليمات .
الدكتور بالمستشفي العسكري ذاكر لهذيب أعرب في تدوينة له عقب إقرار بناء مستشفي للقضاة وعملة المحاكم عن تضامنه مع أصدقائه الأطباء في المستشفيات العمومية» الذين يقومون بعمل جبار لتخفيف معاناة وآلام الشعب المتمتعين منهم بالتغطية الصحية أو دونها»، على حد تعبيره.
ويضيف لهذيب «لا يوجد قطاع مهني يرغب اليوم في العلاج في مستشفياتنا العمومية رغم تمتعها بمستوى أخلاقي وعلمي لا مثيل له» مستشهدا بالزعيم الحبيب بورقيبة عندما أصيب بمرض القلب وخير حينها المداواة بمستشفي الرابطة وشيد بالمناسبة قسما لأمراض القلب والشرايين الذي يجري حاليا أكبر عدد من العمليات الجراحية في مجال أمراض الشرايين.
ودعا لهذيب عوض بناء المستشفيات لكل قطاع مهني الإنكباب على معالجة أزمة ديون المستشفيات والمحافظة على الإطارات الطبية العاملة فيها قائلا:» من السهل بناء الجدران في أشهر لكن قد تحتاج إلى 30 سنة على الأقل للحصول على كفاءة طبية».
◗ م.ي
إضافة تعليق جديد