معركة الطيب راشد والبشير العكرمي تضع استقلالية القضاء في الميزان..والحل بيد رئيس الجمهورية


في الوقت الذي خاض فيه القضاة معركتهم من خلال الإعلان عن الدخول في إضراب عن العمل لمدة خمسة أيام وهو إضراب كان انطلق بداية الأسبوع الجاري إلى غاية أمس الجمعة للمطالبة بتحسين وضعهم المادي ووضع المحاكم الذي ظل على حاله رغم تعاقب الحكومات واحتجاحا على تردي الأوضاع الصحية والاجتماعية للقضاة وتعطيل ملف الإصلاحات الشاملة بخصوص سن النظام الأساسي الجديد وقانون التفقدية والوضع القانوني لتأجير القضاة وقدراتهم على مجابهة تكاليف الحياة ومصاريف التداوي والعلاج.
برزت للعلن «معركة» أخرى من نوع آخر، معركة وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي والرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد. معركة كانت شرارتها انطلقت منذ طلب العكرمي من المجلس الأعلى للقضاء رفع الحصانة عن الطيب راشد بسبب شبهات فساد.
ورغم أن العكرمي التزم الصمت ولم يفصح عن السبب الذي دفعه لطلب رفع الحصانة ولكن ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي كشف وجود مراسلة قيل إنه كان ارسلها العكرمي إلى المجلس الأعلى للقضاء وقد تضمنت شبهات الفساد التي تحوم حول الرئيس الأول لمحكمة التعقيب والتي كانت وراء طلب رفع الحصانة عنه وتضمنت المراسلة الثروة الضخمة للرئيس الأول لمحكمة التعقيب وهي ثروة طرحت في كواليس جناحي العدالة ولدى الرأي العام عدة تساؤلات.
وقد ورد بالمراسلة امتلاك الطيب راشد لعدة شقق وعقارات تبرز تضخما كبيرا لثروته كما تضمنت ما يفيد بأنه تدخل في المسار الإجرائي القضائي لقضايا موضوع تحري وذلك من خلال قرارات تعقيبية صدرت خلال 9و16و23 أوت 2019 بالنقض بدون إحالة وهي قرارات حسبما ورد بالمراسلة شابها فساد بكل الاوجه وخالف بالتالي واجب النزاهة وتورط في شبهات فساد» مالي....
من جهة أخرى تم التداول على مواقع التواصل الاجتماعي تقريرا قيل إن الطيب راشد كان أرسله إلى التفقدية العامة بوزارة العدل تضمن اتهامات لبشير العكرمي بأنه قام بتجاوزات خطيرة في قضايا ذات صبغة إرهابية تخص ملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد والعملية الإرهابية بسوسة وكيف انه أقحم السياسة في التحقيقات القضائية والتهديد بتصفية أي قاض يرفض أن يكون أداة في «السيستام».
كما كشف الطيب راشد بتقريره عن «تدخل الأحزاب في ملفات كبرى تحولت إلى أداة للانتقام من الخصوم السياسيين عبر مكاتب بعض القضاة الذين يتحكم بهم العكرمي»، وفق ما جاء في التقرير.
وأشار أيضا في تقريره إلى وجود «تلاعب بملفات تتعلّق بعمليات إرهابية وجرائم اغتيال هزت البلاد وتعطيل تحقيقاتها القضائية» واتهم بصفة مباشرة وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي مطالبا المتفقد العام بوزارة العدل الوقوف على هذه التجاوزات ومواجهة بشير العكرمي بها وتحميله المسؤولية التأديبية عند الاقتضاء....».
ولئن اعتبر بعض الحقوقيين أن هذه المعركة معركة شخصية بين العكرمي وراشد وان شرارتها كانت اثر تنحية بشير العكرمي من منصبه كوكيل للجمهورية بمحكمة تونس 1 فرد الفعل بطلب رفع الحصانة عن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب.
وقد اعتبر البعض الآخر انها معركة القت بظلالها اولا على استقلالية ونزاهة القضاء وثانيا أثرت على بعض الدوائر الجنائية وبعض مكاتب التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس الذين لم يتم إلى اليوم تعيين رؤساء دوائر لهم أو قضاة تحقيق معتبرين أن ذلك فيه ضرب للمحاكمة العادلة التي هي من مقاومتها عدم إبقاء المتهمين مدة طويلة في الإيقاف.
من جانب آخر طرحت بعض التساؤلات الهامة التي تتمثل في: هل أن المجلس الأعلى للقضاء إذا اقتنع بمراسلة وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي فهل انه سيرفع الحصانة عن الطيب راشد والحال انه عضو بالمجلس؟
وحول هذا الموضوع افادنا القاضي عفيف الجعيدي في اتصال مع «الصباح» أن الموضوع المطروح اليوم باعتبار أبعاده يتجاوز السؤال عن الحصانة وإجراءات رفعها ليتعلق بكيفية المعالجة الواجبة لواقعة تعلق شبهة بقاض سام ذي مكانة قضائية خاصة ويقتضي الوعي بأهمية السؤال التمييز بين ما هو مطلوب من معالجة تسمح بالمساءلة وتمنع كل محاولة للإفلات منها وبين ما هو مطلوب للحفاظ على الثقة العامة بالقضاء ومؤسساته.
فعلى مستوى أول يفرض القانون المؤسس للمجلس الأعلى للقضاء في الفصل 40 أن تبادر جلسته العامة لتجميد عضوية المعني بمطلب رفع الحصانة قبل أن يتعهد مجلس القضاء العدلي بنظرها.
وعلى مستوى ثان وهذا مهم ومتأكد لخصوصية الملف ينتظر من المجلس الاعلى للقضاء أن يعلم رئيس الجمهورية بالملف الذي تعهد به وبكل تفاصيله لكون الرئيس صاحب سلطة التعيين في المناصب القضائية السامية ومنها رئيس محكمة التعقيب ومن حقه كما هو من واجبه أن يتخذ في مثل هذه القضية القرار الملائم.
وحسب رأيه فإن مصلحة القضاء تفرض اليوم تنحية الرئيس الأول لمحكمة التعقيب من خطته ليتفرغ للدفاع عن نفسه فيما وجه له من شبهات وهذا لا يعني طبعا ان التهمة ثابتة في حقه ولكن مجرد اجراء واجب لحماية القضاء من كل شبهة وفق تصريحه.
وأكد أن القضاء ومؤسساته لا يمكن بحال ان يعتمد الحصانة سبيلا لمنع المساءلة.
◗ صباح الشابي
إضافة تعليق جديد