إكراهات لقاء صعب بين الاعلام والقضاء (1-2)


تنشر «الصباح» في عددها الصادر اليوم الجزء الأول من دراسة قانونية حول «الحق في المعلومة في مواجهة صرامة الحقيقة القضائية:
إكراهات لقاء صعب بين الاعلام والقضاء» للقاضي عمر الوسلاتي..
يثير بحث العلاقة بين الإعلام والقضاء عديد الإشكاليات مردّها اختلاف تصوّر السلطتين للحقيقة واختلاف آليات بحث كل منهما عنها فإذا كان القضاء يبحث عن تطبيق القوانين والنطق بها طبق إجراءات قانونية محددة بهدف ضمان الأمن القانوني والسلم الاجتماعي وإيصال الحقوق لأصحابها، فإن الإعلام يهدف بالأساس إلى تلقي المعلومات والأخبار وتقصّيها ونقلها للجمهور عبر مختلف الوسائط السمعية والبصرية وغيرها بشكل متزامن مع حدوثها.
يتقاطع هنا الإعلام مع القضاء في مجال التعاطي مع الأخبار القضائية التي يساهم ترويجها عبر المنصات الإعلامية المختلفة في رفع نسب المشاهدة والمتابعة للوسائل الاعلامية وبالتالي في تحقيق ما ترغبه من تنافسية تنمي مردوديتها، هذا الأمر يدفع وسائل الإعلام للسعي إلى أخذ السبق عن القضاء في استخلاص النتائج خاصة إذا تعلق الأمر بالجرائم البشعة وبالعمليات الإرهابية أو بالقضايا ذات الاستقطاب الحاد لرفع نسب المشاهدة مما يؤدي الى منزلقات خطيرة تؤدي إلى استيلاء بؤر توتّر بين القضاء والإعلام.
الإطار التشريعي المنظم للعلاقة بين القضاء والإعلام
في التعاطي الإعلامي
يمنع القانون تناول وتداول الحيـاة الخاصة للطفل سـواء كان ذلك بنشـر أو ترويج أخبـار تتعلـق بما يدور بالجلسـات التـي تعالـج فيهـا قضايا الأطفـال أو بنشر أو ترويج نصوص أو صور من شأنها أن تطلع العموم على هوية الطفل متهما كان أو متضررا..لقد حاول المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 02 نوفمبر 2011 ضبط الحدود وخطوط التماس حول التداول الإعلامي لبعض القضايا التي تهز الرأي العام وتجنب التصادم في كشف الحقيقة بين الحقيقة التي يكشفها الاعلام يوم الواقعة أو بعد يومين والحقيقة القضائية التي تأخذ سنوات وأطوار كبيرة لتظهر بعد ذلك.
فتمّ تجريم النشر في عدد من القضايا والجرائم، منها جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي ومعاقبتها بعقوبة قد تصل إلى ثلاث سنوات سجنا وهي عقوبة ربما قد تبدو غير متناسبة مع حق الجمهور في معرفة أطوار القضايا الهامة، كما تم حجر نشر وثائق التحقيق قبل تلاوتها في جلسة علنية ويعاقب مرتكب ذلك بخطية قد تصل إلى ألفي دينار. ويسلّط نفس العقاب على من ينشر دون إذن من المحكمة المتعهدة، كل أو بعض الظروف المحيطة بالمحاكمات المتعلقة بالجرائم أو الجنح المنصوص عليها بالفصول 736 إلى 713 من المجلة الجزائية. كما يحجّر التناول الاعلامي في قضايا الثلب في الصور المنصوص عليها بالفقرتين) أ(و)ب (من الفصل 16 من هذا المرسوم وكذلك بقضايا ثبوت النسب والطلاق والإجهاض كما يمكن للدوائر والمجالس الناظرة في القضايا المدنية تحجير نشر تفاصيل القضايا، أو نشر أسرار مفاوضات الدوائر والمحاكم. كما يحجّر أثناء المرافعات وداخل قاعات جلسات المحاكم استعمال آلة التصوير الشمسي أو الهواتف الجوالة أو التسجيل السمعي أو السمعي البصري أو أي وسيلة أخرى إلا إذا صدرت في ذلك رخصة من السلطة القضائية ذات النظر. وكل مخالفة لهذه الاحكام يعاقب عنها بخطية قد تصل إلى خمسمائة دينار مع حجز الوسائل المستعملة لذلك الغرض.
التصادم بين القضاء والإعلام بسبب اختلاف الغايات
إن سعي الإعلام لكشف الحقيقة يهدف بالأساس إلى ضمان ممارسة بقية الحقوق المتصلة به كالحق في النفاذ للمعلومات والوصول لوسائل الاعلام المترابطة معها باعتباره حجر الزاوية للتمتع بباقي الحقوق الأخرى في مجتمع ديمقراطي تعددي دون مفاضلة بينها، ويخوّل هذا الحق للصحافيين وغيرهم القيام بدورهم داخل المجتمع من خلال الرقابة على كل السلطات العمومية والقيام بدور محوري في النهوض بالمجتمع من خلال المضامين التي يبثّها.
ويتطلّب هذا الدور الحصول على كل المعلومات طبق شروط موضوعية تحترم أخلاقيات المهنة وقواعدها والسعي لنشرها وترويجها بشكل واسع، أما القضاء فيبحث عن تطبيق القانون باعتبار احترامه لمبدا الشرعية والنطق به طبق إجراءات محددة تنص عليها مجلة الإجراءات الجزائية أو المدنية ويتخّذ المسار القضائي فيما يتعلق بمعالجته لكل القضايا مهما كانت ردود الأفعال حولها مسارا محددا سلفا ويكون الزمن القضائي غير معتبر ولا يأخذ بعين الاعتبار ردود الفعل المتشنجة بهدف ضمان الأمن القانوني والسلم الاجتماعي لتعزيز ثقة العموم في القضاء واحترام كل شروط المحاكمة العادلة وقرينة البراءة التي تعتبر من الحقوق الأساسية للإنسان، وهي احدى أول أوجه التصادم بين القضاء والاعلام.
(..يتبع)
إضافة تعليق جديد