تعددت الأسباب.. «كورونا» تكشف المستور والقضاء يشدد العقوبات


◄ سنتان سجنا وألفا دينار خطية عقوبة الزوجة المعنّفة
◄ أستاذ جامعي يقاضي إحدى الطالبات بسبب التحرش والمضايقة
يعد موضوع العنف المسلط على الرجل من قبل المرأة ، من الملفات المسكوت عنها، والتي يصعب الاعتراف بها، والخوض فيها، أو التصريح بها من قبل العنصر الرجالي، لأسباب متعددة ومتداخلة، رغم استفحال ظاهرة «العنف المؤنث» داخل العائلة التونسية، وفي الشارع وفي المؤسسات التربوية والجامعية، وفي المؤسسات العمومية من قبل الإطارات النسائية، على منظوريها من الموظفين والأعوان والعملة، وكذلك في المؤسسات الخاصة من قبل سيدات الأعمال، والمشرفات على التسيير.. « الصباح» فتحت ملف العنف المسلط من النساء على الرجال، وتحدثت إلى عدد من المهتمين والباحثين، والى إحدى القاضيات، وكذلك إلى رئيسة لجنة الحقوق والحريات والعلاقات العامة بالبرلمان وجمعت مختلف الآراء، لتستعرضها ضمن هذا الملف..
نورة بوعواجة )قاضي وكيل رئيس بالمحكمة الابتدائية بصفاقس): المرأة تلجأ للإنكار عند المقاضاة.. والحل في الحوار الاجتماعي
أوضحت القاضية نورة بوعواجة في تعريفها للعنف المادي بأنه يتمثل في الضرب وإحداث جروح أو كسور وكدمات أو الخنق أو جميعهم في ذات الوقت، كما يمكن أن يكون العنف دون اثر معتبر، مبينة أن الفصل 218 من المجلة الجزائية يقول بأنه، يعاقب بالسجن مدة عام واحد، وبخطية قدرها ألف دينار، كل من يحدث جروحا أو ضرب أو غير ذلك من أنواع العنف، يسلط على شخص ثان، بصفة قصدية، ويشدد هذا الحكم ليصبح، سنتين سجنا وألفي دينار خطية إذا كان المعتدي الزوجة.
عقوبات مشددة
وأفادت القاضية نورة بوعواجة أن الفصل 219 من المجلة الجزائية، في آخر تنقيح له سنة 2016 ودخل حيز التنفيذ والاعتماد فيفري 2018 يقول أن التشديد في العقوبة يكون لمدة خمس سنوات إذا نجم عن الاعتداء الصادر عن الزوجة سقوط بدني للزوج، وتشدد هذه العقوبة لتصبح 12سنة إذا كان الفاعل احد الزوجين أو المفارقين (حالة طلاق) ويعاقب من اعتاد سوء معاملة القرين (زوج أو زوجة) بالسجن لمدة خمس سنوات حسب الفصل 224 (فقرة ثانية) من المجلة الجزائية، وتضاعف هذه العقوبة في صورة حصول سقوط بدني.
تسامح وإنكار
وذكرت القاضية بوعواجة أن أسباب ممارسة المرأة للعنف متعددة ومختلفة، وأن الظاهرة موجودة بكثرة في المجتمع التونسي، بالنظر إلى القضايا المنشورة في المحاكم، خاصة منذ الثورة، وتهم نسبة كبرى من هذه القضايا العنف بين الأزواج، وأساسا العنف المادي أو المعنوي بالقول، وإن الشاكي يكون من جميع الأوساط الاجتماعية والفئات، سواء من الأرياف أو المدن والقرى، مفسرة لجوء المرأة لممارسة العنف، إلى ضغوطات مادية ونفسية أو اجتماعية، فتلجأ لرد الفعل العنيف، غير أن المرأة تتسامح في غالب الأحيان – حسب قولها – في حالة التتبع القضائي، وتنكر فعل العنف، عندما تكون مشتكى بها عند القضاء.
أنواع العنف
وفي حديث عن أنواع العنف الذي يمكن أن ترتكبه المرأة تجاه الرجل، أفادت القاضية بوعواجة،أن هناك نوعا من النساء التي تمارس جريمة الإساءة للغير عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تجاه طليقها إما للانتقام وتوريطه في إحدى القضايا، أو لمجرد الاستفزاز، وكذلك بعدم إحضار المحضون، كأن تمنع الزوجة القرين أو الطليق من زيارة الأبناء، إذا كانت هي الحاضنة، وقد يصل العنف من المرأة حد القتل للرجل، مؤكدة أن عديد القضايا قد نشرت في ذلك، مشيرة إلى أن قضايا الزنا التي تعد بدورها عنفا مسلطا على الزوج، فيها كثير من الإساءة للرجل والمرأة معا، خاصة إذا كان الفاعل امرأة أي الأم،لان دوافعها هو إلحاق الأذى الأدبي والمعنوي للزوج.
واجبات
وذكرت القاضية نورة بوعواجة، أن سوء معاملة الزوجة لزوجها، يعد عنفا معنويا، كأن ترفض المساكنة، فتصبح ناشزا، إذ ترفض العودة لمحل الزوجية، وفي ذلك عنف مسلط على الرجل، خاصة إذا كان عبر إملاء شروط، خلافا للفصل 23من مجلة الأحوال الشخصية الذي يفرض حسن المعاشرة بين الزوجين، بما في ذلك المساكنة، والقيام بمختلف الواجبات الزوجية، وهذا معيار لتقدير مدى الاستجابة لطلب الطلاق للضرر من عدمه، من قبل قاضي الأسرة.
إساءة وابتزاز
وذكرت محدثتنا، أن الإساءة للزوج أو الرجل، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، جريمة حسب الفصل 86 من مجلة الاتصالات، وهي موجبة للعقاب بالسجن والخطية المالية، مشيرة إلى أن الضغط النفسي يدفع بالمرأة إلى فعل الابتزاز، أحيانا ويكون بالتهديد بإذاعة أخبار كاذبة، ونشر صور، مقابل الحصول على أموال، أو امتيازات أخرى، وهذا نوع من أنواع العنف المعنوي، الذي يمكن أن تمارسه المرأة على الرجل، إلى جانب عملية الاستضعاف لعامل أو موظف، وسوء معاملته باعتباره في حالة استضعاف، وهي جريمة عقوبتها خمس سنوات سجنا وتصنف ضمن جرائم سوء معاملة الغير.
تحرش وتهديد
و ذكرت القاضية بوعواجة، أن ممارسة العنف في الشارع من قبل المرأة على الرجل عبر القذف العلني، قصد المس من اعتباره أمام الناس، يعد شكلا من أشكال العنف المجرم قانونا، إلى جانب جريمة هضم جانب موظف عمومي بالقول أو التهديد أو الإشارة حال مباشرته لوظيفه أو بمناسبتها، التي تعد عنفا أيضا يمكن أن تمارسه المرأة تجاه الرجل، في مواقع العمل وخارجه، إضافة إلى التحرش بالغير إذا كانت امرأة وعقوبته عامان سجنا، وخطية قدرها خمسة آلاف دينار، مستشهدة في هذا السياق بقضية التحرش، التي رفعها أستاذ جامعي بكلية الحقوق بصفاقس ضد إحدى الطالبات، التي مارست عليه فعل التحرش، بصفة متكررة أمام طلبته وزملائه الأساتذة، بتعمدها انتظاره أمام باب الكلية، وإتيان إشارات لاستمالته ولفت انتباهه، والتعبير له عن حبها وهيامها به، ما دفع به لمقاضاتها من اجل أفعالها المجرمة قانونا، ومن اجل ما تسببت فيه، من ضرر معنوي، وأذى نفسي لشخصه وإحراج أمام الملإ، باعتبار التحرش، شكلا من أشكال العنف المعنوي والأدبي.
هذا وتعد جريمة التهديد بالقتل، أو بإحداث إعاقة للغير، أو تهديده بالحرق أو بالذبح، عنفا، موجبا للعقاب.
حوار ومساواة
من جهة أخرى لاحظت القاضية نورة بوعواجة أن عديد العقوبات بشان ارتكاب جريمة العنف، قد تمت مراجعتها بالتشديد في اتجاه مزيد الردع، لان ظاهرة العنف استفحلت خاصة بعد الثورة، داعية المجتمع المدني والمنظمات والجمعيات ومؤسسات الدولة وهياكلها، إلى مزيد التحسيس بخطورة الظاهرة، سواء من خلال الندوات والحوارات، أو من خلال البرامج التربوية، ومزيد توفير فضاءات الترفيه، وتكريس سلوك الحوار، ومبادئ التسامح، سواء في مقرات العمل، أو في الفضاءات العامة، أو داخل الأسرة، قصد التخفيف من حدة الضغط المهني والاجتماعي، وكذلك الضغط المادي والنفسي،إضافة إلى العمل على المساواة في تطبيق القانون دون تمييز، إلى جانب دعوة المرأة، إلى مزيد التفهم والحوار والصبر، والتعاون مع الرجل، وتطوير ذاتها وشخصيتها، مع العمل على قبول الآخر، والقبول بثقافة الاختلاف.
المنصف القابسي(أستاذ جامعي وباحث في علم الاجتماع): العنف أداة للسّيطرة و»كورونا» أبرزت الظاهرة بين الزوجين
يبدو العنف المسلّط على الرّجال من قبل النّساء موضوعا مثيرا، لأنّه يشذّ عمّا اعتدنا عليه من سلوكات معاكسة، ربّما لم تعد تثير انتباهنا، لكثرة حدوثها. وعلى العموم يمكن أن ندرج هذا الموضوع ضمن ظاهرة اجتماعيّة أشمل وهي ظاهرة العنف في المجتمع والذي تتعدّد أنواعه وأسبابه وانعكاساته. إذن يمكن أن نعلن منذ البداية أنّ مسألة تعنيف المرأة للرّجل، هي من بين أصناف كثيرة من العنف داخل المجتمع، كالعنف داخل المؤسسات التربوية أو داخل الأحياء الشعبية أو بين المحبين في الملاعب، أو داخل الأسرة بصورة عامّة، أو ذاك الموجّه ضدّ الأطفال أو العنف السّياسي أو الاقتصادي أو العنف القائم على التّمييز في لون البشرة، وهناك أيضا العنف المادّي والعنف المعنوي، أو الرّمزي الذي يسلّط بأشكال متخفّية، من خلال اللّغة أو الإيحاء، أو التّشهير والوصم، أو بعض أشكال الثّقافة والتّعليم، إلخ...
ظاهرة بارزة
وبالعودة إلى العنف المسلّط على الرّجل من قبل المرأة، فهو من الأصناف التي بدأ الحديث عنها يكثر، خلال العقدين الأخيرين، لا في تونس فقط بل وفي العديد من أقطار الوطن العربي والعالم. فبعض الإحصاءات تقول على سبيل المثال أنّ نسبة الرّجال المعنّفين تصل في تونس إلى 10% ومثلها في الكويت، وهي ترتفع إلى قرابة 23% في الولايات المتحدة وأكثر من 11% في بريطانيا، وأكثر منها بقليل في كندا، وهنا نتساءل عن الأسباب، وهل هي مرتبطة بالقوانين التّحرّرية لهذه البلدان والتي أسّست للمساواة، بين المرأة والرّجل، وتعطي قوانينها درجات من الحرية أكبر للمرأة؟
ورغم شحّ المعطيات الإحصائيّة وغياب شبه تامّ للدّراسات العلميّة والأكاديميّة المعمّقة حول الموضوع، وخاصّة غياب المعطيات الصّحيحة والعامّة حول هذه المسألة لأسباب عدّة، وعلى رأسها الثّقافة السّائدة والتّنظيم الاجتماعي القائم، على قيم الرّجولة والتّفوّق الذّكوري، فإنّ ما يتوفّر، يعطي ملامح إجابات تعكس التّوجّه العامّ وتنفي الارتباط بين القوانين السائدة أو منسوب التّحرّريّة في المجتمعات، بارتفاع نسب العنف المسلّط على الرّجل من النّساء، فمجتمعات محافظة كمصر (تصل فيها نسبة العنف المسلط على الرّجل إلى 28% لتحتل المرتبة الأولى عالميا) أو السّعوديّة أو إيران أو كردستان العراق ترتفع فيها تلك النّسب سنويّا وبدرجات مفزعة.
مسكوت عنه
رغم ذك تبقى هذه المسألة من المسائل المسكوت عنها، وقد يتجنّب البعض الحديث عنها خشية تصنيفه في خانة المعادين لحرّية المرأة، أو تحويل الحديث من عنف مسلّط على المرأة (وهذه حقيقة لا ينكرها أحد أو واقع، وتثبتها العديد من المعطيات والدّراسات في تونس وفي العالم)، لكنّ السّكوت لا يمكن أن يكون هو الحلّ.
من هنا يمكننا أن ننطلق من ملاحظة عامّة، وهي أنّ أسباب ارتفاع منسوب العنف في المجتمع بشكل عامّ، لا يمكن أن تكون فرديّة، بل هي أسباب اجتماعية تحدّدها العديد من العوامل، والدليل على ذلك أن المنسوب يتصاعد أو يتناقص مع طبيعة الأوضاع الاقتصادية، أو الاجتماعيّة أو القيميّة، وكلّما ثقلت تلك الأوضاع زاد منسوب العنف.
«كورونا»؟
ولو أخذنا على سبيل المثال فترة الحجر الصّحّي زمن الكوفيد-19، سنرى أنّ العديد من التّقارير كشفت عن ارتفاع منسوب العنف داخل الأسر في تونس، وفي العديد من البلدان في العالم (فرنسا وإيطاليا والمغرب...)، وقد يعود ذلك لما فرضه هذا الوباء، على الناس من البقاء القسري، ولفترات طويلة مع بعض، وهو الأمر الذي لم يعتادوا عليه في الظّروف الحاليّة، فكان الوضع دافعا لاكتشاف جوانب مزاجيّة، أو سلوكات غير ملائمة، ولم يكن ممكنا في السّابق اكتشافها، نتيجة التّباعد الذي فرضته ظروف الحياة والمعيشة القاسية، فانفجر المخفي والمكبوت، وخاصّة نزعات السيطرة والهيمنة، والتواكل وغياب المساعدة على شؤون البيت المتعبة، والتي كانت في السابق تتحمّلها المرأة بنسب أكبر، مع تذرّع الرّجل ببحثه عن لقمة العيش، فتزيد أيضا قلّة ذات اليد، وتقلّص موارد الأسرة والأزمة الاقتصاديّة الخانقة للأسر، زمن الحجر، من حدّة التّوتّرات العائليّة.
حب السيطرة
لكنّنا حين نتحدّث عن العنف ضدّ الرّجل فلا يجب علينا أن نحصره داخل الأسرة فقط، بل قد يكون أيضا خارجها، وقد تعود الأسباب أيضا إلى عوامل كثيرة من منظور علم الاجتماع. فالعنف هو شكل من أشكال إبراز الهيمنة والسيطرة على الآخر، وقد وصف عالم الاجتماع الفرنسي الرّاحل «بيير بورديو»إصرار الرّجل أو المرأة على المطالبة بأن يكون رجلاً أو امرأة، بأنّه في حدّ ذاته «عنفا رمزيّا» بل واعتبر هذه المطالبة هي أساس الهيمنة الذكورية.
وما لا تعلنه الدّراسات هو أنّ العنف بين المرأة والرّجل يختزل ثقافة الهيمنة ورؤية التعالي، والرغبة في السيطرة من طرف على الآخر. وقد يكون أيضا بسبب طبيعة المجتمع الذّكوري والذّهنيّة الذّكوريّ، التي نشرت الاعتقاد بأن الرّجل وحده، قادر على استعمال العنف، فإنّه ومع انتشار الأفكار المساواتية، هناك من النساء من يردن إثبات العكس. وهكذا يمكن الحديث عن التّأسيس للمساواة بين الجنسين، عبر قدرة النساء على استخدام نفس الأدوات التي يستعملها الرجال، وعبر تحرير أنفسهنّ من نفس المحرمات، ومنحها نفس الحقوق، ولم لا ارتكاب نفس الحماقات.
عقد اجتماعي
طبعا لا يعدّ هذا تبريرا بل محاولة للتفسير قائمة على مقاربة نفسيّة اجتماعيّة وأنثربولوجيّة، ومثلما لا يكمن الحلّ في استدامة نظام للسّيطرة الاجتماعية والاقتصاديّة، والسّياسيّة، قائمة على العنف، الموجّه من نوع اجتماعي ضدّ نوع، أو طبقة ضدّ طبقة، أو فئة ضدّ أخرى، أو جنس ضدّ آخر...، فإنّ ضرورة التّفكير في ضرورة التّأسيس الاجتماعي لعقد جديد، للتعامل بين الجنسين أو بين فئات النوع الاجتماعي، يدفع الأفراد إلى ضبط ممارساتهم، وعلاقاتهم بالآخر بشكل مستقلّ عن انتمائهم الجنسي، ويضع حدّا للنّظام الاجتماعي والسّياسي، القائم على التّمايز والذي يخلق فئات غير متكافئة وهرمية، من الرجال والنساء.
حاتم المنياوي )رئيس الجمعية التونسية للنهوض بالرجل والأسرة والمجتمع): عديد التشريعات والقوانين تشجع المرأة على تعنيف الرجل
تعتبر ظاهرة تعنيف المرأة للرّجل، وبالتّحديد ظاهرة تعنيف الزّوجة لزوجها، ظاهرة حديثة نوعا ما. وقد تفشّت وتفاقمت في العشريّتين الأخيرتين بشكل لافت للنّظر، سيّما في المجتمعات التي تدّعي التّقدّم والتطوّر والتّحرّر والانفتاح والحداثة.
سوء فهم
وإنّي اعتبر أن هذه الانحرافات السّلوكيّة والأخلاقيّة الشاذّة، التي بدأت تغزو مجتمعنا التّونسيّ شيئا فشيئا، تعود إلى سوء فهم المرأة التّونسيّة لمعاني الحرّيّة والتّحرّر. وتعود أيضا إلى سوء فهمها لمعاني إستقلاليّتها المعنويّة والمادّيّة عن الرّجل. كما تعود أيضا إلى تشجيع الدّولة التّونسيّة للمرأة بأن تتطاول على شريك حياتها وأن تعمد إلى إهانته وإذلاله، وتحقيره وتعنيفه لفظيّا وجسديّا.
إنّها سياسة ممنهجة، ولا لبس عندي في ذلك. إذ ما معنى أن تقسو الدّولة التّونسيّة على الرّجل فتسلّط عليه قوانين، وتشريعات مذلّة ومهينة، مثل القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المؤرّخ في 11 أوت 2017 والمتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة، الذي في ظاهره الرّحمة والشّفقة على الزّوجة، والوقوف إلى جانبها وحمايتها، وفي باطنه قهر للزّوج وتنكيل به.
ولو كانت الدّولة التّونسيّة صادقة في مقاومة هذه الظّاهرة، لما ميّزت بين امرأة ورجل. والقول الرّاجح عندي هو أنّ هذا القانون هو بمثابة وصمة عار على جبين كلّ من صادقوا على تمريره وإدراجه بالمجلّة الجزائيّة.
ويكفي أن نعرف أنّ ضحايا هذا القانون الشّاذّ، يعدّون اليوم بعشرات الآلاف، إذ تقوم العديد من الزّوجات باستغلاله والاستفادة منه للزّجّ بأزواجهنّ في السّجون، بعد أن يكنّ قد تقدّمن بشكايات كيديّة ضدّهم. والغريب أنّ النّيابة العموميّة، وقبل التأكّد من صحّة الشّكاية، تعمد في أحيان كثيرة إلى الإذن بإيقاف الزّوج، وإحالته على أنظار القضاء، وقلّما ينجو أحدهم من العقاب رغم تجرّد التّهم المنسوبة إليه. ففي أحيان كثيرة، تكون حجّة الزّوجة ضدّ زوجها، متمثّلة في مجرّد شهادة طبّيّة أوّليّة، تعطى لها من المستشفيات العموميّة، والتي يمكن لأيّ كان أن يحصل عليها بمقابل زهيد، أو حتّى من باب المجاملة. بل أحيانا تحتوي الشّهادة الطّبّيّة الأوليّة على معاينات خياليّة. كمعاينة كدمات لا وجود لها.
ومعاينة انتفاخ في مكان ما من الجسم لا وجود له. ومعاينة رضوض لا أساس لها. بل ويمكن أن تجد بالشّهادة الطّبّيّة الأوّليّة تنصيصا على راحة بعدّة أيّام أو عدّة أسابيع إرضاء لطلب الزّوجة وتنكيلا بالزّوج. وفي المقابل، فإنّ شكايات الأزواج لا تلقى نفس الحفاوة والتّرحاب، ولا نفس المعاملة. وقد تمرّ الأشهر الطّويلة والسّنوات العديدة دون أن يُلتفت إليها.
ولذلك، فإنّني أطالب الدّولة التّونسيّة بإعادة النّظر في سياستها التّشريعيّة والقضائيّة والتي لم تجلب سوى الخراب والدمار لهذا المجتمع.
انحياز تشريعي
إنّنا في أمسّ الحاجة اليوم، إلى تشريعات وقوانين تحمي الرّجل والمرأة على حدّ السّواء، ودون تمييز. كما أنّنا في حاجة إلى قضاء أكثر عدلا وأكثر حيادا. فالإنحياز المفضوح للقضاء التّونسيّ، إلى جانب المرأة على حساب الرّجل، هو شكل من أشكال الغلوّ والتّطرّف. وعواقب ذلك على المجتمع قد تكون عواقب وخيمة. إذ بماذا نفسّر عدم وجود تشريعات وقوانين، وإجراءات ردعيّة للمرأة التي تحرم زوجها أو طليقها من رؤية أبنائه؟ أليس هذا عنفا؟ إنّه عنف من أبشع أنواع العنف.
وأكثر بشاعة منه سكوت الدّولة التّونسيّة عن ذلك. ولذلك فإنّني أقترح تخصيص فرقة لمقاومة هذه الظّاهرة، ظاهرة عدم إحضار المحضون، وحرمان الأب من زيارة أبنائه واستصحابهم، وعدم الإكتفاء بمجرّد نصّ قانونيّ لا تقوم المحاكم التّونسيّة بتفعيله وتطبيقه. فالقانون عدد 22 لسنة 1962 المؤرّخ في 24 ماي 1962 والمتعلّق بإحداث جريمة عدم إحضار المحضون، أصبح اليوم بمثابة القانون المهجور، وهو ما يمسّ من مصداقيّة الدّولة، وينال من صورتها، كحارس لحقوق النّاس، وكمؤتمن على مصالحهم.
تغول قانوني
نخلص إلى القول في النّهاية إلى أنّ السّبب الرّئيسيّ لتغوّل الزّوجة على زوجها يعود في شقّ كبير منه إلى تشجيع الدّولة التّونسيّة لها على ذلك، بأشكال مباشرة وأشكال غير مباشرة. فسكوت الدّولة على تجاوزات الزّوجة في حقّ زوجها ضوء أخضر، وعلامة للرّضاء. وإفلات المرأة من العقاب،هو كذلك تشجيع لها على التّمادي في غيّها وظلمها.
وقد حدّثني أحد ضحايا العنف ،أنّ زوجته قد استغلّت عدم وجوده بالبيت لتستحوذ له على جميع أدباشه، وعلى عدد كبير من المجوهرات ومن السّاعات الثّمينة، وعلى مبلغ 250 ألف دينار. كما قامت بسرقة وثائقه الشّخصيّة وشهائده العلميّة.
وعندما رفع الأمر إلى القضاء، لم يجن سوى أن قيل له بأنّه لا سرقة بين الأزواج. غير أنني على يقين، أنّه لو حصل العكس لكان مصيره السّجن. ويضيف محدّثي بأنّ زوجته لطالما عمدت إلى استفزازه بالضّرب، والشّتم وسبّ والدته، ونعتها بأبشع النّعوت، رغبة منها في أن يردّ الفعل، فيكون مصيره السّجن. ويكون لها بالتّالي أن تطلّقه للضّرر، وتتحصّل على غرم الضّرر المادّيّ والمعنويّ، وتحرمه من ابنه المحروم منه أصلا.
النائبة سماح دمق )رئيسة لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية): العنف مدان بجميع أشكاله ومعالجة الأسباب ضرورة
اعتبر العنف المسلط على الرجال من طرف المرأة، أنا كإنسانة وكنائبة شعب ورئيسة لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية، أمرا مرفوضا بصفة مطلقة فانا ضد أي عنف بصفة عامة، سواء سلط على المرأة أو الرجل ومهاما كان نوع العنف سواء كان ماديا أو أدبيا أو عنفا اقتصاديا أو سياسيا... ولكن هذه الظاهرة مسكوت عنها، رغم انتشارها، لان الأغلبية من الرجال، تخجل من التصريح بذلك، وعلى هذا الأساس يجب الحديث فيها، وطرحها للنقاش، وخاصة البحث عن الأسباب، التي تدفع بالمرأة إلى تعنيف الرجل، ذلك أن سلوك العنف ليس بالضرورة أن يكون بين الزوجين، إذ يمكن أن يمارس في الشارع، وأثناء الحملات الانتخابية كعنف السياسي، أو ربة العمل والمؤجر، ولكن الملاحظ أن منسوب العنف قد ارتفع في تونس، وخاصة في الفترات الأخيرة، لذلك يجب البحث الجدي في الأسباب، وكيفية معالجة هذه الظاهرة اجتماعيا، وقانونيا ونفسانيا.. ويبقى العنف مدانا بجميع أشكاله.
إضافة تعليق جديد