شكوك حول قدرة تونس على إيقاف نزيف التداين بعد اقترابها من مرحلة «الإفلاس»!


فجر إعلان رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ عدم اللجوء إلى الاقتراض الخارجي والتعويل على موارد الدولة الخاصة موجة من التساؤلات حول مدى القدرة على تعبئة خزينة الدولة دون التداين، في وقت لا تزال فيه البلاد تكافح تبعات القروض السابقة، وفشل جميع الحكومات السابقة في ايقاف نزيف التداين الذي بلغ مستويات قياسية تهدد السيادة الوطنية.
وأربك قرار رئيس الحكومة الاخير بغلق نافذة الاقتراض الخارجي، حسابات المسؤولين في الدولة ورفع من مخاوف التونسيين من لجوء الدولة إلى فرض المزيد من الضرائب في ظل غياب الموارد بسبب تداعيات الإغلاق وفشل سياسات الحكومات المتعاقبة طيلة سنوات في إخراج الاقتصاد من النفق المظلم.
وأثارت تصريحات رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ استغراب الخبراء ومتابعي الشأن العام ممن شككوا في قدرة الحكومة على مكافحة تداعيات الوباء دون اللجوء إلى قروض خارجية، بالاضافة الى حالة شبه الإفلاس التي تعانيها المالية العمومية، وتوقعات بأن تصل ديون تونس بنهاية هذا العام إلى 94 مليار دينار (32.3 مليار دولار)، أي ما يعادل 75.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني ان البلاد مقدمة على أزمة اقتصادية كبيرة ستزيد من مخاوف شركائها الاقليميين والاوروبيين على المدى القصير.
ويشكك عدد من الخبراء الاقتصاديين الذين التقتهم «الصباح» في قدرة تونس على غلق نافذة الاقتراض الخارجي نهائيا نظرا لمحدودية مصادر التمويل وضعف النمو، وتنامي المطالب الاجتماعية وتصاعد حدة الاحتجاجات الداعية الى توزيع عادل للثروات والتنمية بالجهات.
ويؤكد جل الخبراء ان التصنيف الائتماني لتونس تراجع هذه السنة الى مستويات قد تصل الى تكرار سيناريو لبنان في تونس واعلان حالة الافلاس، خاصة بعد ان وضعت وكالة موديز تونس عند مستوى بي.2 وهو قيد المراجعة نحو التخفيض، وقامت وكالة التصنيف الأمريكية فيتش رايتنغ بمراجعة تصنيف تونس بتخفيضه إلى بي مع آفاق مستقرة، وهذه المؤشرات تقضي على آفاق تونس مستقبلا في الحصول على قروض جديدة من المؤسسات المالية العالمية، وتزيد من تردد المقرضين أمام الوضعية الاقتصادية الخطيرة التي تعيشها أغلب مؤسسات الدولة.
وتتخوف الأوساط الاقتصادية من إقرار ضرائب جديدة تثقل كاهل المواطنين والشركات وتنذر باحتقان اجتماعي قد يكلف البلاد خسائر لا تقوى على تحملها وتفتح الباب على مصرعيه أمام اضطرابات اجتماعية ستزيد في صعوبة محاولات الانقاذ التي تبدو في الوقت الحالي منعدمة.
ويذهب عدد من الخبراء الى طرح أولويات جديدة للمرحلة القادمة على رأسها الحاجة الملحة إلى هدنة اجتماعية في تونس لمدة عام أو أكثر لتعبئة الموارد وتجنب تعطل الإنتاج، والشروع في جملة من الاصلاحات الاقتصادية لإنقاذ المؤسسات العمومية والخاصة من خطر الافلاس.
كما يشدد جل الخبراء على ان سياسة الترقيع التي تعتمد عليها الحكومات السابقة والقادمة لن تعالج المعضلة المالية العامة لتونس من جذورها، حيث إنها لم تقم الى حد الان بالإصلاحات المطلوبة كتحرير السوق وفرض المنافسة النزيهة والقضاء على الاقتصاد الريعي والبيروقراطية وتكريس الانفتاح الاقتصادي على العالم بأسره.
وتواجه تونس ضغوطات من المؤسسات المالية الدولية، بما فيها البنك الدولي للإسراع في السيطرة على معدلات البطالة في السوق المحلية وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، كما تواجه خطر انهيار قطاعات الصناعات الثقيلة كالسيارات، ومكوناتها، الى جانب قطاع الملابس، والصناعات الثقيلة، والتي من المنتظر ام تشهد أزمة تمتد على مدار 3 السنوات المقبلة.
وكان رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، في خطابه الاخير أمام البرلمان، قد حذر من خطر انهيار اقتصاد البلاد بعد أن تحول النمو إلى انكماش، مرجحا ان يبلغ سلبا 6 بالمائة خلال العام الجاري، كما اقترح خطة إنقاذ تتطلب حزمة من التشريعات القانونية الجديدة.
وأكد أن أزمة جائحة كوفيد-19 كانت لها تداعيات مباشرة على القطاعات الحيوية للاقتصاد على غرار السياحة، لافتا إلى أن 130 ألف عاطل من العمل سيضافون الى 630 ألفا مسجلين سابقا، بالإضافة الى تراجع حاد في مداخيل الدولة بـ5 مليارات دينار، وافلاس جل المؤسسات العمومية بما فيها شركة الفسفاط.
◗ سفيان المهداوي
إضافة تعليق جديد