سوسة.. من حديقة طيور إلى وكر مشؤوم


على مشارف شاطئ بوجعفر وعلى منظر بحريّ من حيث المفتح تتموقع حديقة الطّيور أو ما كانت تعرف به في سنوات خلت بحديقة الحيوانات التي كانت قد انتزعت لسنوات طويلة إعجاب المتساكنين والزوّار على حدّ سواء فكانت بحقّ درّة توشّح صدر المكان وتستأثر باهتمام الزوّار من ذلك الزّمان بفضل ما كانت تزخر به الحديقة من أنواع شتّى من الحيوانات النادرة فضلا عن توفّر غطاء نباتيّ ثريّ ومتنوّع زادته بهاء وجمالا النافورة التي كانت تتوسّط قلب الحديقة الشاسعة وتنبض حياة من خلال ما تصدره من أصوات رقرقة المياه ,عناصر في مجموعها شكّلت مشهدا طبيعيّا متميّزا مثّل متنفّسا بيئيّا وطبيعيّا لعديد العائلات ولا سيّما المتوسّطة والضّعيفة خلال أيام العطل والآحاد . واقع الحديقة اليوم مغاير تماما لماضيها المجيد حيث غابت عنها كلّ أنواع الحيوانات بما في ذلك الطّيور ولم يبق منها إلاّ الاسم المعلوم وبقايا أقفاص خالية نهشها الصّديد وفعل بها الإهمال أفعاله فاستحالت بمعيّة النافورة المعطّلة أشلاء تغيب عنها كلّ أشكال النبض وإيقاع الحياة كما أنّ المخزون الطبيعي للحديقة بدوره لم يبق منه غير أشجار عملاقة لم تسعفها شيخوختها وعراقتها في أن تنال جانبا من الحظوة من خلال بعض عمليّات العناية والتّشذيب فامتدّت فروعها وثارت أغصانها في كلّ حدب وصوب كأنّها تعلن ثورتها وتلعن ما طالها في هذا الزّمن من تهميش وجحود. كما أنّ العدد القليل من وسائل التّسلية والألعاب الموضوعة على ذمّة أبناء العائلات الوافدة على الحديقة وسائل وألعاب بالية لاتراعي في مجموعها أبسط معايير السّلامة ممّا يجعل من تواجدها خطرا حقيقيّا يستهدف صحّة الأطفال.
وكر مشؤوم.. ومقرّ للغربان والبوم
بحكم تواجد حديقة الطّيور على بعد أمتار قليلة من عدد من المؤسّسات الخدماتيّة على غرار الصّندوق الوطني للتّأمين على المرض والمعهد الجهوي للموسيقى ومعهد الفنون الجميلة والمندوبيّة الجهويّة للتّنمية الفلاحيّة وعديد المؤسّسات البنكيّة يقصد الطلبة وعموم المواطنين حديقة الطّيور لتمضية بعض الوقت أونيل قسط من الرّاحة كما يخيّر بعض الموظّفين تقضية جانب من وقت الرّاحة الفاصل بين الحصّة الصّباحيّة والمسائيّة في هذا الفضاء اجتنابا لزحمة المواصلات غير أنّهم في أحيان كثيرة يصطدمون بما يأتيه بعض المنحرفين من الجنسين من سلوكيّات وتصرّفات مشينة تخدش الحياء وتحرج العائلات أو بما يصدر عن أفواه آخرين من فاحش القول كما يستغلّ بعض المنحرفين تغيّب الدّوريّات الأمنيّة فيسارعون بعقد جلسات مشبوهة تحضر فيها كلّ المحظورات ومن ثمّة ينطلقون في مضايقة الآخرين والتحرّش بالطّالبات.
إعادة التّفكير في آليّات الاستغلال وطرق التّسيير
إنّ الواجب يقتضي أن تعيد الجهات المعنيّة التّفكير في آليّات كفيلة بحسن استغلال واستثمار هذا الفضاء الحيويّ بالشّكل الذي يجعله في مستوى تطلّعات أهالي ومتساكني مدينة سوسة وزوّارها من خلال رصد الاعتمادات المطلوبة للقيام بمختلف أعمال الصّيانة والتعهّد المستوجبة في انتظار ضبط رؤية وتصوّر شامل ومتكامل من شأنه أن يرتقي بخدمات هذا الفضاء ويسهم في تطوّره بما يجعل منه موردا ماليّا حقيقيّا من موارد بلديّة المكان إلى جانب مزيد ايلاء الهاجس الأمني ما يستحقّه بالحرص على تكثيف الدّوريّات الأمنيّة وتعقّب المنحرفين والعابثين بما يسمح باستعادة حديقة الطّيور لبريقها المسلوب.
◗ أنور قلاّلة
إضافة تعليق جديد